مجرتنا درب التبانة قطرة من بحر لُجيّ كبير، مجهول الحدود، والعمق، ومليء بالألغاز. يُعرف باسم “الكون”. أهتم الفلكيون القدماء بالنجوم وصنعوا منها خيالاتٍ وأساطير ألهمت الكثير من بعدهم، لتبدأ بعدها محاولاتٍ قام بها عدد ممن راودتهم فكرة الارتفاع عن سطح الأرض حتى وصلنا لعصر جديد من استكشاف الفضاء.
———————————————————————————————————————————————
- أولى مراحل استكشاف الفضاء:
المنطاد والطائرات:
أُستخدم المنطاد في أول محاولة ناجحة للارتفاع عن سطح الأرض في 21 من نوفمبر 1783م من قِبل الأخوان الفرنسيان جوزيف وجاك مونغولفييه. حيثُ قاما بملء المنطاد المصنّع من القماش الكتّاني بالهواء الذي تم تسخينه بواسطة شعلة، وصل المنطاد لارتفاع يصل الى 2000 م. ومن بعدها تم تطوير فكرة المنطاد الى أن وصل للمرحلة الحديثة.
وفي عام 1903م صُنعت أول طائرة كوسيلة أخرى للارتفاع عن سطح الأرض غير المنطاد من قِبل الأخوان رايت. في أول محاولة لاستخدامها طار أحد الأخوين لمدة دقيقة قاطعاً مسافة 260م. وتم تطويرها وصناعة أنواع منها مثل الطائرات الحربية، والنفاثة، والمدنية، وغيرها.
عصر الصواريخ:
بدأت رحلة استكشاف الفضاء بواسطة الصواريخ كقصة خيالية تروى وتُكتب منذ القرن السابع عشر، تحديداً في عام 1657م حيث ألفَّ الكاتب الفرنسي سيرانو دي برجراك قصة تحت عنوان “رحلات إلى القمر والشمس” تدور الأحداث فيها حول انطلاق الإنسان نحو القمر بواسطة الصاروخ المزوّد بمحرك النفّاث.
وأيضاً نشرَ الكاتب الأمريكي جول فيرن قصة بعنوان “من الأرض الى القمر” التي تدور أحداثها حول مركبة فضائية تحتوي على رُكّاب بداخلها تنطلق صوبَ القمر بواسطة مدفع ضخم. ما يجعل قصته مميزة أنه أستخدم بها القوانين الفيزيائية والكيميائية والرياضية فأثبت بها آراءه. لكن هذه المرة لم تكن القصة خيالية وحسب، فقد كان صِهر الكاتب مهندس فيزيائي الذي بدوره جعل قصته أقرب ما تكون للواقع مما جعل العلماء يقرّون بأن مركبة جول فيرن تصميم مبدئي للصواريخ التي صُممت فيما بعد.
وتعددت القصص في إلهام رواد العلم بطرق استكشاف الفضاء حتى تمّت أول محاولة ناجحة في إطلاق أول صاروخ بالعالم من قِبل العالم الفيزيائي روبرت جودارد في ولاية ماساتشوستس. أرتفع الصاروخ بقدر 58م واستخدم في إطلاقه مادّة الكيروسين الممزوج بالأوكسجين السائل.
- تطور الصواريخ:
بِدأً من صاروخ جودارد وحتى آخر صاروخ تم إطلاقه وهو صاروخ سفينة النجوم “Starship” المعني بإيصال البشر والمؤنات للقمر والمريخ، فقد تمّت تطورات كما وصفها البعض بأنها تطورات اشبه ما تكون برواية خيال علمي أصحبت على أرض الواقع.
———————————————————————————————————————————————-
- الأقمار الصناعية:
في يوم 4 أكتوبر 1957م كان الناس في ذهول تام بعد إكمال القمر الصناعي الأول في العالم أول مدار له حول الأرض وهو سبوتنيك-1 الذي يبلغ وزنه 83كغ ويدور حول الأرض كل 96 دقيقة. ومن ثم تمّ تطويرها إلى أن وصلنا الى 8,261 قمر صناعي في مدار الأرض بحلول شهر يناير 2022م
ولا يخفى على أحد دور الأقمار الصناعية في حياتنا، فللأقمار الصناعية أنواع عديدة يختلف تصميمها وحجمها وتكلفتها بناء على غرضها، فعلى سبيل المثال بعض أنواعها:
– أقمار صناعية لاستكشاف الفضاء والغلاف الغازي الأرضي:
التي بدورها ساعدتنا على دراسة الأشعة الكونية، والشهب والنيازك، والرياح الشمسية المسببة للشفق القطبي، وغيرها.
– أقمار صناعية تكشف شكل الأرض:
كان للقدامى محاولات كثيرة في معرفة شكل الأرض وأهم هذه المحاولات هي للعالِم العربي المسلم محمد الإدريسي وهو أول من رسم خريطة العالَم، رسمها في 1154م وأستغرق في رسمها 15 عاماً وهي أول خريطة معتمدة. ومع ذلك، فكانت لا تزال هناك اعتقادات خاطئة حول شكل الأرض مثل أن الأرض كرة منتفخة خط الاستواء ومفلطحة عند القطبين. وكان للأقمار الصناعية دور كبير في تصحيح هذا المفهوم، أهمها هو أول قمر صناعي (سبوتنيك-1).
– الأقمار الصناعية في مجال الاتصالات:
قبل أن يتم اعتماد الأقمار الصناعية كوسيلة لاستقبال وإرسال البث، مرّ بعدة مراحل من نتائجها أدّت لعدّة اكتشافات مثل اكتشاف المذياع. أول قمر صناعي أُستخدم في مجال الاتصالات تحديداً في ارسال الصور التلفزيونية هو قمر تلستار.
- وصول الإنسان للفضاء:
في يوم 12 إبريل 1961م لم تعد الأرض المكان الوحيد للبشرية، فقد انطلقت مركبة “فوستوك-1” التي تحمل بداخلها يوري غاغارين ليكون أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء والدوران حول الأرض، كانت دورة واحدة خلال ساعة و48 دقيقة. أثناء الهبوط بدت المركبة كأنها كرة نارية تهوي للأرض؛ بسبب اشتعال النار الذي نتج عن احتكاك السطح الخارجي للمركبة مع الغلاف الجوي للأرض. وعندما سُئل غاغارين عن شعوره حينها قال: “لقد شهدت لهب النيران يزمجر من حول المركبة، وشعرت بأنني ضِمن كرة من نار تندفع بإتجاه الأرض”.
على متن مركبة فوستوك-6 في يوم 16يونيو 1963م كانت فالنتينا تيريشكوفا لتصبح أول رائدة فضاء بالعالم.
دارت حول الأرض 48 دورة في 5 أيام. عبّرت عن شعورها
آنذاك قائلة:
“كأنما المركبة طائر مائي، وأنا على أحسن ما أكون حالاً، تملؤني الغبطة وأنا أرى الأرض والأفق الذي يمتد على حافته شريطاً من نور تعلوه زرقة خفيفة: إنها الأرض،ما أجملها!”
- الهبوط على سطح القمر:
أول رحلة للقمر كانت أبولو 11 وهي أول وصول للبشرية على سطح القمر ويعتبر أنجحها، حيث اتخذت المركبة مدارها حول القمر في يوم الأحد 20 يوليو 1969م والتي كانت بقيادة رائد الفضاء نيل ارمسترونغ والطيار بز ألدرن. تم الوصول للقمر في غضون 3 أيام بسرعة 40 ألف كم/س.
وفي مهمة أبولو تمّ التقاط صور مهمة للأرض في تاريخ وصول البشر للفضاء، منها:
1- صورة شروق الأرض في مهمة أبولو 8 من قِبل رائد الفضاء وليام أندريس الذي كانت ردّة فعله عند رؤية المنظر:
“يا إلهي! أنظر الى ذلك المشهد، إنها الأرض تشرق. ما أجمله من منظر!”
2- صورة الجوهرة الزرقاء التقطت في 7 ديسمبر 1972م من مسافة 45 ألف كم عن الأرض.
- استيطان القمر
تخطط ناسا لإعادة استيطان القمر في مهمة ارتميس-1 وهي مهمة ستتم على عدّة مراحل، تتضمن إرسال روبوتات لاكتشاف القمر، وإرسال رائد فضاء وأول رائدة فضاء للقمر عام 2024م، بالإضافة لبناء قواعد على القمر تساعد على استيطان المريخ مستقبلاً.
———————————————————————————————————————————————
- الصناعات والعلوم التي طورها عصر الفضاء:
لماذا علينا الاهتمام بالسفر إلى الفضاء وتشجيعه؟ وماهي فوائد ذلك علينا؟
– أدّى استكشاف الفضاء الى تطور كبير في شتّى مجالات الحياة. والسبب يعود الى طبيعة الفضاء الصعبة بالنسبة للبشر، مما يؤدي الى ابتكار حلول إبداعية لحل المشكلات التي تواجه البشر والتي بدورها تقود الى ابتكارات جديدة.
فمثلاً، ساعدت صناعات الفضاء شركة فورد للسيارات إذ انها قد توصلت الى صنع سيارة تسير بالطاقة الكهربائية المولَّدة من الشمس، ولكنها تتولد بتكفله عالية، قليلة الجودة فحجم مُدّخر الطاقة يتسع حجمه لسقف السيارة بمقابل سرعة بطيئة جداً تصل الى 40 كم/س. ولكن بعد عصر الفضاء، تم تصنيع مدّخرات صغيرة اُستخدمت في تسيير الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية.
– من أهم عوائد استكشاف الفضاء هو تطوير وصناعة عدسات النظارات والمجاهر والمراقب وآلات التصوير، حيث حاجة الأقمار الصناعية والمركبات لعدسات قوية مقاومة لظروف الفضاء أدّى الى تطور مجالات الأجهزة البصرية وآلات التصوير.
– نظراً لأن تكلفة نقل كيلوغرام واحد للفضاء تكلفة عالية جداً تصل الى 100 ألف دولار لكل كيلو، حاولت شركات النقل تقليل التكلفة قدر المستطاع عن طريق تخفيف وزن الأغذية مع الحرص على بقاء فوائد والقيمة الغذائية للطعام فظهرت فكرة التجفيف، والتبخير، والضغط، والتجميد، والتبريد. تم الاستفادة من هذه التقنية لاحقاً في الأرض لتوصيل الطعام للأماكن النائية والجيوش، ولتغذية مرضى بعض الأمراض.
انتهى..
كاتِبة المقال: غادة خالد
(عضو آستروفايل).
المصادر:
– كتاب الموسوعة الفلكية.
– https://www.geospatialworld.net/prime/business-and-industry-trends/how-many-satellites-orbiting-earth/