مقالات

اصطدام النجوم النيوترونية يكشف لنا نشأة الذهب


اصطدام النجوم النيوترونية يكشف لنا نشأة الذهب


حاول البشر منذ آلاف السنين إيجاد طريقة لتحويل المادة إلى ذهب، حيث اعتبر الكيميائيون القدماء أن هذا المعدن هو أعلى شكل من أشكال المادة، وعلى الرغم من تقدم المعرفة والعلوم التكنولوجية بات سر أصل الذهب غير معروف حتى وقت قريب.

رسم توضيحي لسحابة كثيفة وساخنة من الحطام تم تجريده من النجوم النيوترونية قبل اصطدامها مباشرة
المصدر: مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا / مختبر CI


وأخيرًا توصل العلماء إلى نشأة الذهب باستخدام التلسكوبات وأجهزة الكشف الحديثة، التي توضح أنها تنشأ في الانفجار للنجمين المتصادمين الذي التقط بأجهزة الكشف المسماة بـ “ليغو” عن طريق موجات الجاذبية.


تمكن العلماء من تجميع مصدر العديد من عناصر الجدول الدوري، حيث يندمج الهيدروجين -العنصر الأخف والأكثر وفرة الذي نتج عن الانفجار العظيم- مع العناصر الأثقل مثل الكربون والأكسجين عندما تتوهج النجوم. وفي اخر سنوات حياة النجوم تنشأ المعادن الشائعة الألمنيوم والحديد وتدفعهم إلى الفضاء عن طريق أنواع مختلفة من انفجارات المستعر الأعظم.

فسر العلماء أن هذه الانفجارات النجمية أوضحت أصل أثقل العناصر وأكثرها ندرة مثل الذهب. لكنهم لم يكتشفوا السر بأكمله، إنه يتوقف على الشيء الذي خلفه موت نجم ضخم “نجم نيوتروني”. تحزم النجوم النيوترونية كتلة الشمس مرة ونصف مرة في كرة بعرض 10 أميال يمكنها أن تزن ملعقة صغيرة من المواد من سطحها 10 ملايين طن.

يؤكد الإشعاع الكهرومغناطيسي الملتقط من GW170817 الآن أن العناصر الأثقل من الحديد يتم تصنيعها من تصادمات النجوم النيوترونية.
المصدر: جينيفر جونسون / SDSS، CC BY

العديد من النجوم في الكون في أنظمة ثنائية نجمان مرتبطان بالجاذبية ويدوران حول بعضهما، وقد ينهي زوج من النجوم الضخمة حياتهما في النهاية كزوج من النجوم النيوترونية التي تدور حول بعضها البعض لمئات الملايين من السنين. وأوضح آينشتاين أن دورانهم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد ففي النهاية لابد أن تصطدم.


  • الاصطدام والاكتشافات الأخرى

وفي حادثه كونية تعد الأولى من نوعها مر تموج في الفضاء عبر كوكبنا تم اكتشافه بواسطة كاشفات موجات الجاذبية “ليغو” نتيجة اصطدام زوج من النجوم النيوترونية بمعدل ثلث سرعة الضوء، حيث فاقت طاقة هذا الاصطدام أي مختبر لتحطيم الذرات على الأرض بتاريخ 17 أغسطس 2017. وبعد هذا الاصطدام قامت التلسكوبات الكبيرة والصغيرة بمسح رقعة السماء التي جاءت منها موجات الجاذبية، وبعد اثنتي عشرة ساعة رصدت ثلاث تلسكوبات نجمًا جديدًا يُسمى كيلونوفا في مجرة تسمى NGC 4993، على بعد حوالي 130 مليون سنة ضوئية من الأرض.

بعد أن التقط علماء الفلك الضوء من الاشعاع الناجم عن النجوم النيوترونية المتصادمة، بدأوا بتوجيه أكبر وأفضل التلسكوبات في العالم نحو النجم الجديد لرؤية الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء من آثار الاصطدام. حيث قام تلسكوب الجوزاء في تشيلي بتحويل مرآته الكبيرة التي يبلغ ارتفاعها 26 قدمًا إلى كيلونوفا ووجهت ناسا هابل إلى نفس الموقع. ولكن سرعان ما تلاشى الوهج الناجم عن هذا الاصطدام، وفي غضون أيام تلاشى الضوء المرئي تاركًا وراءه توهجًا دافئًا بالأشعة تحت الحمراء واختفى في النهاية أيضًا.


قم بتسليط ضوء الشمس من خلال منشور وسترى طيف الشمس ألوان قوس قزح تنتشر من الضوء الأزرق ذي الموجة القصيرة إلى الضوء الأحمر ذي الموجة الطويلة. يحتوي هذا الطيف على بصمات العناصر المربوطة والمزيفة في الشمس، ويُميّز كل عنصر ببصمة فريدة من الخطوط في الطيف مما يعكس التركيب الذري المختلف.

طيف كيلونوفا المرئي والأشعة تحت الحمراء، تعتبر الارتفاعات والانخفاضات في الطيف بصمات تكوين العناصر الثقيلة.

المصدر: مات نيكول ، CC BY

احتوى طيف الكيلونوفا على بصمات أثقل العناصر في الكون موضحًا ضوءه على وجود مادة النجم النيوتروني التي تتحلل إلى البلاتين والذهب وعناصر أخرى ناتجة من عملية  “الالتقاط السريع للنيوترونات “.

حينها رأى البشر لأول مرة عمليات الكيمياء الكونية، حيث يحول الكون المادة إلى ذهب وليس بكمية صغيرة فقط بل هذا الاصطدام الواحد نتج من الذهب ما لا يقل عن 10 مرات من كتلة الأرض. انظر إلى تلك المجوهرات الذهبية أو البلاتينية، فقد تم إنشاء هذا المعدن في الاندماجات الذرية لتصادم نجم نيوتروني في مجرتنا منذ مليارات السنين -وهو تصادم مثل الذي شوهد في 17 أغسطس-.

وماذا عن الذهب الناتج في هذا الاصطدام؟ سينفجر في الكون ويختلط بالغبار والغاز من المجرة المضيفة، وربما في يوم من الأيام سيشكل جزءًا من كوكب جديد يحاول سكانه استكشاف نشأته لآلاف السنين.


– سما الحربي (sma7rb11@)

كاتبة محتوى في آستروفايل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى