نعرف النجاح الكبير للنظرية النسبية وفيزياء الكم وتطورها المذهل خلال السنوات الأخيرة؛ مما جعل العلماء يفكرون بنظرية لتوحيد النسبية وفيزياء الكم معًا ومن إحدى النظريات المتعارف عليها هي “نظرية الأوتار” وتحاول هذه النظرية الجمع بين ميكانيكا الكم التي تفسر القوى الأساسية المؤثرة في عالم الصغائر (القوة النووية الضعيفة، القوة الكهرومغناطيسية، القوة النووية القوية) وبين النظرية النسبية العامة التي تقيس قوة الجاذبية في عالم الكبائر ضمن نظرية واحدة.
وسوف أحاول الإسهاب في موضوع نظرية الأوتار في مقال آخر، ولكن لنتحدث الآن عن الورقة العلمية التي نٌشِرت قبل مدة قصيرة، و تشير إلى نظرية جديدة للجاذبية الكمومية التي تحاول توحيد النظريتين معًا، ويمكن أن تساعد في حل لغز توسع الكون.
منذ ما يُقارب القَرن عرف العُلماء أن الكون يتوسع، ولكن في العقود الأخيرة وجد الفيزيائيون أن أنواعًا مختلفة من قياسات معدل التوسع تسمى «مَعلّمة هابل» تنتج تناقضات محيرة! ولحل هذه المفارقة، أقترح العُلماء توحيد النظريتين معًا، وعند أول مرةً تم تحديد فيها توسع الكون من قبل «إدوين هابل» في عام 1929م. كشفت ملاحظاته مع أكبر تلسكوب في ذلك الوقت أن المجرات البعيدة عنا يبدو أنها تبتعد بسرعات أكبر بكثير، في البداية كان هُناك مبالغة كبيرة في تقدير معدل التوسع، إلا أن القياسات اللاحقة صقلت فِهمنا، مما جعل مَعلّمة هابل الحالية مصدرًا جديرًا بالثقة.
وعند القرن العشرين، قدم علماء الفيزياء الفلكية تقنية جديدة لقياس معدل التوسع من خلال فحص خلفية الميكرويف الكونية “Cosmic Microwave Background “ للإنفجار الكبير ومع ذلك؛ نشأت مشكلة كبيرة مع هذين النوعين من القياسات على وجه التحديد، أنتجت الطريقة الأحدث قيمة معلمة هابل أقل بنسبة 10٪ تقريبًا من تلك المستنتجة من الأرصاد الفلكية للأجسام الكونية البعيدة، تشير هذه التناقضات بين القياسات المختلفة، التي تسمى «توتر هابل» إلى عيوب محتملة في فهمنا لتطور الكون.
وفي دراسة نُشِرت في مجلة الجاذبية الكلاسيكية والكمية، سوريش وزميله اقترحا حلًا لمواءمة هذه النتائج المتباينة، أكدوا على أن الفيزيائيين يستنتجون معلمة هابل بشكل غير مباشر، ويستخدمون النموذج التطوري لكوننا استنادًا إلى النظرية النسبية العامة لأينشتاين فقط، ومن هُنا تولدت فكرة توحيد النظريتين معًا لحل لغز توسع الكون؛ وجادل الفريق بمراجعة هذه النظرية لدمج التأثيرات الكمومية، وتشمل هذه التأثيرات التفاعلات الأساسية، وتقلبات المجال العشوائية والخلق التلقائي للجسيمات من فراغ الفضاء.
وعلى الرغم من قدرة العلماء على دمج التأثيرات الكمومية في نظريات المجالات الأخرى، إلا أن الجاذبية الكمومية لا تزال بعيدة المنال حاليًا، مما يجعل الحسابات التفصيلية صعبة للغاية أو حتى مستحيلة ومما زاد الطين بلة؛ أن الدراسات التجريبية لهذه الآثار تتطلب الوصول إلى درجات حرارة أو طاقات أعلى بكثير من تلك التي يمكن تحقيقها في المختبر.
واعترافًا بهذه التحديات العَويصة، ركز سوريش وزميلة على تأثيرات الجاذبية الكمومية الواسعة المشتركة بين العديد من النظريات المقترحة. وقال د. بي كي سوريش “لا تحتاج معادلتنا إلى حساب كل شيء، ولكن هذا لا يمنعنا من اختبار الجاذبية الكمومية أو آثارها تجريبيًا”.
وكشف استكشافهم النظري أن حساب التأثيرات الكمومية عند وصف تفاعلات الجاذبية في المرحلة المبكرة من توسع الكون، والتي تسمى «التضخم الكوني» يمكن أن تغير بالفعل تنبؤات النظرية فيما يتعلق بخصائص خلفية الميكروويف في الوقت الحاضر، مما يجعل نوعين من قياسات معلمات هابل متسقة. ويَفتَرِض المؤلفون أن ظواهر الجاذبية الكمومية في الكون المبكر ربما شكلت خصائص موجات الجاذبية المنبعثة خلال تلك الفترة، يمكن أن يؤدي الكشف عن هذه الموجات إلى زيادة إضاءة خصائص الجاذبية الكمومية. وقال د.سوريش أيضًا “لم يتم ملاحظة موجات الجاذبية من مصادر فيزيائية فلكية مختلفة إلى حتى الآن، ولم يتم اكتشاف موجات الجاذبية من الكون المبكر بعد”
انتهى
كاتب المقال: الهنوف عبدالرحمن (عضو آستروفايل)
المصدر:
– https://iopscience.iop.org/article/10.1088/1361-6382/ad1a51