ينظر الإنسان منذ القدم الى السماء وتتبادر الى ذهنه الكثير من الأسئلة.. يرى الشمس، القمر، النجوم، الكواكب، النور، وتلك الظلمة التي تغطي الأرجاء ويحاول جاهداً أن يجد الإجابات، ويفهم، ويرضي فضوله من خلال التأمل، واختراع الأدوات التي ساهمت في أن تجعله يفهم الكون من حوله بل وحاول الانسان منذ القدم والى عصرنا هذا أن يحلق عاليًا ليقترب أكثر من السماء ويغوص في أعماقها. لقد كان الإنسان ومنذ القدم مهتم بالكون ولا ينفك عن التأمل في السماء. ومع ظهور الإسلام وبروز الحضارة الاسلامية ظهر العديد من العلماء المسلمين الذين تعمقوا في علم الفلك وكانت لهم اسهامات كبيرة في تقدم وتطور علم الفلك في زمانهم. ولعل الاهتمام برصد ومتابعة الأهِلَّة لتحديد مواعيد الأشهر الهجرية كان بداية للاهتمام بعلم الفلك عند المسلمين، فقد حرص العلماء المسلمون على بناء مراصد فلكية عديدة في مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية مثل بغداد، والقاهرة، وقرطبة، وسمرقند، والرقة وغيرها، واكتسبت تلك المراصد شهرة فائقة امتد أثرها مئات السنين وكانت نتائج أبحاثها مرجعًا لعلماء الفلك قديمًا وحديثًا.
لذا دعنا يا صديقي القارئ نعود بعجلة الزمن الى الوراء ونذكر بعض أهم العلماء المسلمين الذين كانت لهم اسهامات كبيرة في علم الفلك ودعنا نبدأ مع العالم الكبير:
- محمد بن إبراهيم الفزاري
أحد كبار علماء المسلمين، نال شهرة عظيمة جداً في علمي التنجيم وتقويم الشهور، وهو أول من عمل اسطرلاب في الإسلام، وألف مع جهاز الاسطرلاب كتاباً يصف طريقة العمل به، وسماه (كتاب العمل بالاسطرلاب المسطح).
وكان من المغرمين في علم الفلك، فنظّم قصيدة في النجوم، توحي بحبه الشديد لهذا الفن، صارت قصيدته يضرب بها المثل بين علماء العرب والمسلمين في مجال علم الفلك.
من مؤلفاته:
– المقياس للزوال.
– العمل بالاسطرلاب ذات الحلق.
– العمل بالاسطرلاب المسطح.
- العباس بن سعيد الجوهري
من أوائل علماء العرب والمسلمين الذين رَصَدوا في الإسلام، فقد ندبه الخليفة العباسي المأمون إلى مرصد الشماسية ببغداد، ليقوم ببعض الأرصاد، التي بقيت زاداً لعلماء العرب والمسلمين في هذا المجال.
اهتم العباس الجوهري بدراسة الكواكب السيارة وخاصة الشمس والقمر، فقد قدم دراسة متكاملة عن طبيعة وحركات هذين الكوكبين، وبقيت آراؤه ونظرياته في هذا المضمار حجة يستند عليها علماء الإسلام.
من مؤلفاته:
– تفسيرات كتاب إقليدس.
– كتاب الأشكال.
- سند بن علي (أبا الطيب)
من علماء الهند المسلمين الذين عملوا جداول فلكية تتعلق بحركة النجوم، وله دور مرموق في مجال علم حساب المثلثات. نال سند بن علي شهرة عظيمة بين معاصريه في علم الهيئة وعمل الازياج، حيث كان من كبار المتخصصين بعلم النجوم وعمل الاسطرلابات. عكف سند بن علي على التأليف كغيره من علماء العرب والمسلمين، ولكن نتاجه تميز بغزارته العلمية وأصالته، مع الدقة والتنظيم المدهش.
من مؤلفاته:
– كتاب القواطع.
– كتاب الجمع والتفريق.
– كتاب الحساب الهندي.
- محمد بن جابر بن سنان البتاني
اشتهر البتاني بألقاب كثيرة، منها بطليموس العرب وقاموس كليات المعارف عند العرب والمسلمين، كما يعد من أعظم علماء الفلك والرياضيات في العالم العربي والإسلامي، فهو أول من سخر علم المثلثات لخدمة علم الفلك، وأول من أدخل علم الجبر على علم حساب المثلثات، بدلاً من الهندسة كما كان الحال في القديم.
من مؤلفاته:
– الشرح المختصر لكتب بطليموس الفلكية الأربعة.
اسمه أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، أعاد قياس محيط الأرض على أسس فلكية، وقد اعتبر (نليينو) قياس البيروني لمحيط الأرض من مفاخر العرب العلمية، وقام برسم الخرائط الفلكية على أصول صحيحة أخذها عنه فيما بعد (فيكولوزي دي باترنو).
من مؤلفاته:
– التفهيم لأوائل صناعة التنجيم.
– القانون المسعودي.
– العمل في الاسطرلاب.
– التطبيق إلى تحقيق حركة الشمس.
– تحقيق منازل القمر.
– الإرشاد في أحكام النجوم.
وقد أفادت المعارف الفلكية عند المسلمين إفادة عظيمة في تطور علم الفلك، ودخلت التسميات العربية في اللغات اللاتينية، ولا تزال أسماء كثير من الكواكب تحتفظ بأصلها العربي.
- أبو الحسن الصوفي
اسمه عبد الرحمن بن عمر، وأشهر كتب الصوفي كتابه: “الكواكب الثابتة” الذي قصد فيه إلى تحديد مواقع النجوم في مختلف أيام السنة، ويعتبر كتابه من أدق وأشهر ما وصل إلينا من الدراسات الفلكية وقد عرف الغرب قدر الصوفي، فترجم كتابه واعتمد في البحث الفلكي، واليوم فإن اسمه يطلق على بعض المواضع على سطح القمر.
هو: “أَبُو يُوسُفْ يَعْقُوبْ بْنْ إِسْحَاقْ بْنْ اَلصَّبَاحِ بْنْ عِمْرَانْ بْنْ إِسْمَاعِيلْ اَلْكِنْدِيَّ” ويلُقّب بفيلسوف العرب، ويعد من الاثني عشر عبقرياً الذين هم من الطراز الأول في الذكاء وهو عالم موسوعي، فإضافةً إلى شهرته كفيلسوف، كان عالماً بالرياضيات، والفلك، والفيزياء، والطب، والصيدلة، والجغرافيا. كتب أربعة كتب عن استعمال الأرقام الهندية. كما قدم الكثير في مجال الهندسة الكروية لمساعدته في دراساته الفلكية.
راقب أوضاع النجوم والكواكب خاصة الشمس والقمر بالنسبة للأرض، وما لها من تأثير طبيعي وما ينشأ عنها من ظواهر. وأتى بآراء خطيرة وجريئة في هذه البحوث، وفي نشأة الحياة على ظهر الأرض، مما جعل الكثيرين من العلماء يعترفون بأن الكندي مفكر عميق من الطراز الرفيع.
من مؤلفاته:
– رسالة في التنجيم.
– رسالة في صنعة الاسطرلاب.
يُعَدُّ الخوارزمي من أكبر علماء الفلك المسلمين، ومن العلماء العالميين الذين كان لهم تأثير كبير على العلوم الرياضية والفلكية. وفي هذا الصدد يقول
ألدو مييلي: “وإذا انتقلنا إلى الرياضيات والفلك فسنلتقي منذ البدء بعلماء من الطراز الأول، ومن أشهر هؤلاء العلماء هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي”.
أبدع الخوارزمي في علم الفلك وأتى ببحوث جديدة في المثلثات، ووضع جداول فلكية (زيجاً).
وقد كان لهذا الزيج الأثر الكبير على الجداول الأخرى التي وضعها العرب فيما بعد، إذ استعانوا به واعتمدوا عليه وأخذوا منه.
ومن أهم إسهامات الخوارزمي العلمية التحسينات التي أدخلها على جغرافية بطليموس سواء بالنسبة للنص أو الخرائط.
من مؤلفاته:
– العمل بالاسطرلاب.
– كتاب الزيج.
هو ثابت بن قُرَّة بن زهران الحراني الصابئ، من مواليد بلدة حرَّان بين دجلة والفرات، اتصل بالخليفة العباسي المعتضد، وكانت له عنده منزلة، كان من العلماء البارزين في عهده، صنف نحو 150 كتاباً، منها:
– آلات الساعات في المزاول.
– علة الكسوف والخسوف.
– رؤية الهلال.
وهو الذي ترجم كتاب بطليموس إلى العربية وبسَّط أسلوبه، كما قام بالعديد من الأرصاد الفلكية الهامة.
هو “أَبُو اَلْحَسَنْ عَلَاءْ اَلدِّينْ بْنْ عَلِي بْنْ إِبْرَاهِيمْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ اَلْمَطْعَمِ الدمشقي اَلْأَنْصَارِي” المعروف بِابْنِ اَلشَّاطِرْ، عالم بالفلك والحساب، من أهل دمشق، مولداً ووفاة.
من مؤلفاته:
– إيضاح المغيب في العمل بالربع المجيب.
– “مختصر في العمل بالإسطرلاب.
– “النفع العام في العمل بالربع التام.
وهو الذي صنع ساعةً شمسيةً وسماها “البسيط” وعلقها على منارة العروس بالجامع الأموي في دمشق وله “الزيج الجديد”.
وقد تجلَّى نشاطه في تطوير الآلات الفلكية، وفي نظرية حركة الكواكب، وبقيت رسائله المتخصصة في (الاسطرلاب المزاول الشمسية) ذات شهرة واسعة لقرون عديدة في كلٍّ من مصر والشام، والدولة العثمانية ومختلف الأقطار الإسلامية، إذ صارت مصدراً موثوقاً للتوقيت الإسلامي.
وهنا عزيزي القارئ تنتهي رحلتنا مع أبرز علماء الفلك المسلمين وأود منك أن تطلع على الكتب المذكورة في مقالتي هذه إذا كنت تريد التعمق في مجال الفلك وألا تتوقف عن التأمل في هذا الكون المعجزة ولا تتوقف عن البحث وطرح الأسئلة وإيجاد الإجابات.
وأود أن أخبرك أنه كلما تعمقنا في هذا الكون العظيم قادنا ذلك الى معرفة الخالق الأعظم.
كاتب المقال: محمد حسن عسيري.
مراجعة وتدقيق: عبدالله جمال (نائب إدارة آستروفايل)
المصادر:
بحث بعنوان: “اسهامات علماء العرب والمسلمين في علم الفلك”
https://dergipark.org.tr/tr/download/article-file/931287