منذ قديم الأزل ويحاول الإنسان البسيط تحقيق أحلامٍ كبيرة، ليُبهرَ مَن حوله بصناعةٍ عظيمة تفيد مجتمعه وحتى العالم أجمع ويصنع حلولاً للمشاكل التي تواجهه فتسهلُ الحياة وتغدو أيسر من قبل.
بدايةً من صنع الإنسان للفأس الحجري قبل ملايين السنين لتساعده في تقطيع الأشجار وصيد الحيوانات، ثم تبعها صناعة الورق للكتابة والتوثيق في الحضارة الفرعونية في القرن الرابع قبل الميلاد، وبعدها صناعة الزجاج قبل حوالي 4,000 عام فيستعمل للزينة أو إناءً للطعام والشراب، والتلسكوب الذي صُنع لأول مرة بشكلٍ تقليدي ومبسط جدًا في عام 1608م على يد أخصائي البصريات الألماني-الهولندي “هانس ليبرشي”، وصناعة “سبوتنك1” القمر الصناعي الأول في تاريخ البشرية من قِبل الاتحاد السوفييتي في 1957م، وغيرها الكثير والكثير من الاختراعات التي غيّرت مجرى التاريخ.
- القمر، الجرم السماوي الشهير للبشر
أول دراسة رسمية للقمر كانت على يد العالِم الإنجليزي “توماس هاريوت” والذي رسم مخطط كامل لتضاريس القمر بشكل تفصيلي، وبعد 4 أشهر تبعه
العالِم الإيطالي الشهير “جاليليو جاليلي”، عندما طوّر تلسكوبًا خاصًا له في عام 1609م لدراسة فوهات وجبال القمر عن قرب وقام بتسجيلها. وتوالت
دراسات القمر بعد ذلك فقام العالِم الكرواتي “روجر بوسكوفيتش” في عام 1753م بنفي وجود غلاف جوي للقمر، وتبعه العالِم الألماني ” ,فرانز فون جرويثوزين ” بقول أن فوهات القمر صُنعت عبر ارتطام النيازك على سطحه!.
أحدى صفحات أطروحة “رسالة سماوية” للعالم الفلكي:
جاليليو جاليلي لدراسة تضاريس القمر
- أقدام البشر على سطح القمر
هذا ماحدث في عام 1969م عندما طبعت أقدام رائد الفضاء “نيل ارمسترونج” أول بصمة بشرية على تلك الرمال الزجاجية الناعمة؛ “
خطوة صغيرة للإنسان، قفزة كبيرة للبشرية ” هذا ماقاله “نيل” في تلك اللحظة وهي جملة مليئة بتعابير كفاح العِلم والدراسات والتجارب والتي مكّنت الإنسان من الهبوط بسلام وأمان على سطح ذلك الجرم السماوي الرمادي الساطع في ليالينا المُظلمة والذي لازال يملك أسرارًا لم تُكتشف بعد.
- هل يمكننا أن نقضي عطلة الصيف في منزلنا على القمر؟
الصيف؟
أم
الشتاء؟
يمتلك القمر درجتي حرارة قصوى في فترة سطوع الشمس وفترة الظلام على سطحه؛ فتبلغ درجة الحرارة على سطحه الساطع حوالي 120 درجة مئوية، وتبلغ درجة الحرارة على سطحه المظلم -130 درجة مئوية.
مما يعني ذلك بأنه يجب عليك توفير منزل قمري يتحمّل كلتا الحرارتين، ليس ذلك فحسب! بل يجب أن يكون موقعًا مناسبًا للسكن، هل تتذكر عندما ذكرنا بأن العالِم ” فرانز فون جرويثوزين ” قال بأن تشكّل الفوهات حدثت بسبب اصطدام النيازك على سطحه؟ إذاً ماذا سيحدث لك إذا سقط نيزك على سطح بيتك القمري الجميل؟.
وحتى يكون منزلك آمن على سطح القمر فإنه يجب عليك توفير مقومات الحياة أيضًا مثل:
- المياه.
- الطاقة.
- الأكسجين.
- الزراعة والطعام.
- الحماية من الإشعاع (تذكّر أنه لايوجد غلاف جوي يحميك من ذلك! كما ذَكر العالِم: “روجر بوسكوفيتش” سابقًا).
لايتواجد الماء بشكل أساسي وظاهر على سطح القمر مثل كوكب الأرض، أثبتت عدة دراسات لعلماء المختبرات والفلك في عن طريق عدة وكالات فضاء مثل وكالة الفضاء السوفيتية في عام 1976م ووكالة الفضاء الهندية في عام 2009م ووكالة الفضاء الأمريكية ناسا في عام 2020م بأن القمر يحتوي على الماء بشكله الثلجي في مناطق الاصطدامات النيزكية؛ ويعني ذلك بأننا نحتاج للحفر عميقًا للوصول للثلج ثم نحتاج لتذويبه ودراسة إن كان ماءً صالحًا وكافيًا للإستخدام البشري أم لا.
تعتبر الطاقة من أهم مصادر العيش على القمر، فلا يمكنك الحفر لاستخراج الماء بدون طاقة ولاتوفير الاكسجين ولا الزراعة ولاتسخين الطعام أيضًا، ولذلك فإن توفير الطاقة أمرٌ في غاية الأهمية على سطح القمر، ومن حسن الحظ فإن وصول أشعة الشمس لفترات طويلة في قُطبيّ القمر يساعد على تمديد الألواح الشمسية بِطَاقة كافية لذلك.
- توفير الأكسجين:
من الفوائد المهمة التي قام بها رواد الفضاء في بعثات أبولو هي جمع العينات المختلفة من تربة وصخور القمر لدراستها عند عودتهم إلى الأرض، ومن أحدى مميزات تربة القمر المُكتشفة أنها تتكون على الأكسجين بنسبة 42-45% وبعض العناصر الأخرى كالسيليكون والحديد والكالسيوم والألمونيوم والماغنيسيوم وغيرها، وعن طريق تسخين الأكسجين واستعمال الطاقة الكهربائية والكيميائية عليها فأنه يمكن فصل الأكسجين عن هذه العناصر واستخدامها للتنفس البشري.
- توفير الزراعة والطعام:
تعتبر هذه المهمة من أصعب المهمات حتى الآن، فتوفير الطعام وزراعة النباتات لازالت في مرحلة الإستحالة على سطح القمر، فعلى الرغم من أن تربة القمر تحتوي على الأكسجين إلى أنها لاتحتوي على النايتروجين وهو من العناصر المهمة جدًا في زراعة النبات بشكل صحي وقابل للاستهلاك الآدمي، أما عن خيار ارسال مؤونة متكررة من كوكب الأرض إلى سُكّان القمر فأنها مكلفة جدًا وغير مجدية بشكل دائم.
- الحماية من الإشعاع:
من أكثر المخاطر التي تواجه رواد الفضاء دائمًا وبشكل رئيسي هو التعرض للإشعاع الفضائي، وتعتبر أشعة جاما المتواجدة في الفضاء بشكل أساسي من أقوى أنواع الأشعة المسرطنة والضارة على جسد الإنسان، فهي تستطيع اختراق العديد من الحواجز وللحماية منها فيجب توفير عدة طبقات من الرصاص أو الإسمنت المسلّح للحماية منها، ولأن غلاف كوكب الأرض يحتوي على غلافٍ جويٍّ سميك فأنه يقوم بتشتيت وامتصاص معظم الإشعاع الضار بجميع أنواعه ولا يصلنا إلا القليل منها وبشكل ضعيف، على عكس القمر فهو لايحتوي على غلاف جوي ولهذا فأنه لايحمي سُكّان القمر من الإشعاع أبدًا.
- كيف سنستطيع النجاة على سطح القمر؟
,في ظل الظروف والتقنيات في الوقت الحالي فأنه لايمكنك العيش على القمر إلا في حال توفير مايحميك من المخاطر وتوفير الزراعة والغذاء والماء لك، من ضمن خطط وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” القادمة هي ارسال رواد فضاء للمرة السابعة للهبوط على القمر في عام 2025م ضمن مهمة “آرتمس 3″، ومن ضمن مهام برنامج “آرتمس” هي اختيار موقع مناسب لبناء قاعدة قمرية لتصبح محطة ناقلة لكوكب المريخ مستقبلاً وهو الكوكب الأنسب نوعًا ما للبشر للعيش على سطحه عوضًا عن القمر، ولذلك فإنه حتى الآن لاتوجد خطة لبناء قاعدة قمرية لتصبح , سكن دائم , للبشر على سطح القمر.
رائع