عندما يدفعنا الجمال نحو المعرفة 🌌

عبّر البشر عبر السنين عن مدى انبهارهم بانفرادية القمر بالعديد من الطرق، فمنهم من استخدمهُ كرمز لوصف المحاسن والفضائل، وأداة مميزة للتعبيرعن الجمال، فأكاد أجزم بأن مرة واحدة على الأقل تم وصفك بكلمة «قمر» كتعبير جيد عن مدى أناقتك وجمالك من قِبل أحد أفراد عائلتك أو أحد أصدقائك أو حتى من قِبل شخصٍ غريب. كما تعرف الكثير من شعراء العرب في العصور القديمة سبقونا، واستعانوا به في أساليبهم الأدبية خصوصًا في التشبيه والاستعارة. تقول الشاعرة برة بنت عبدالمطلب في وصف محاسن أبيها:

وَذي الحِلْم وَالفَضْلِ في النَّائباتِ كَثيرِ المَكارِمِ جَمُّ الفَخَرْ

لَهُ فَضْــلُ مَـجْدٍ عَلى قَومِــهِ مُنيرٌ يَلوحُ كَضَوءِ القَمَرْ

من خلال هذه الأبيات خلقت الشاعرة تصورعن كرم وعلو والدها حيث قامت بتشبيه فضلهُ على قومهِ بضوء القمر الذي لا يخفى عن أحد [4]. كما أن للقمر بصمةٍ خاصة في الأدب الإنجليزي كذلك. فهُنا تصف الكاتبة الامريكية Emilie Poulsson في قصيدتها البسيطة كيف للقمر ان يجّمل الليالي المظلمة الصامتة سواء كان في طور البدر كاملًا أو طور الهلال [5].

The moon, whose light

Makes beautiful the silent night

Sometimes a crescent, thin and clear

Sometimes a big, round, silver sphere

But whether round, or like a bow

It is the same dear moon, we know.

بينما الجزء الآخر من البشرية قرروا دراسته والبحث بشغف وراء كل معلومة تقف خلف جماله. فعلى سبيل المثال، كل فردٌ منا اليوم يعرف العَالِم العربي ابن الهيثم والسبب يعود لإسهاماته الجليلة في مجالات عدة ومن ضمنها الفلك، فهو أول من أشار إلى ظاهرتي كسوف الشمس وخسوف القمر وهو الذي أكد أن القمر يحصل على ضوئه من أشعة الشمس [6]. وأيضًا العالم الإيطالي جاليليو جاليلي أول من رصد السماء بواسطة تلسكوبهِ الخاص، في ذلك الوقت حينما كان يعتقد العلماء أن سطح القمر أملس أثبت جاليليو تواجد التضاريس على سطحهِ، ورسم هذه التضاريس وأطوار القمر [7].

أبرز أهداف مهمات أبولو:

هل سبق لك وتفكرت بينما كنت تتأمل السماء في ليلة منتصف الشهر الهجري كيف أصبح لدينا قمرٌ فريدٌ ووحيد؟ هُناك العديد من الفرضيات كُرِست حول تفسير تكوين قمرنا المنير، أحد أبرز أهداف مهمات أبولو هو معرفة الحقيقة فيما يتعلق من ماذا تكون وكيف تكون قمرنا العزيز. قبل مهمات أبولو كانت هناك ثلاثة فرضيات شائعة حاولت بشدة شرح الحقيقة خلف تشكل القمر.[3]

اقترحت فرضية تسمى بفرضية الالتقاط بأن القمر كان مجرد جسم تشكل في مكانٍ ما في نظامنا الشمسي وكان أيضًا جسم متجول كأنه كويكب فتم التقاطه من قِبل الجاذبية بينما كان يتجول بالقرب من الأرض، وهذا يجعلنا نتوقع بأن يوجد اختلافات كبيرة وواضحة بين تركيب صخور القمر وصخور الأرض.[3]

تقترح فرضية التراكم، بأن القمر تكون مع تكون الأرض. أما بالنسبة للفرضية الثالثة، فرضية الانشطار حيث تقترح أن القمر تكون بسبب الدوران السريع لكوكب الأرض حول نفسه مما أدى لتطاير بعض المواد وأصبحوا يدورون حولنا على هيئةِ قمر، في حال كان إحدى الفرضيتين صحيح فهذا يعني أن نوع ونسبة المعادن بين صخور الأرض والقمر هي نفسها تمامًا، لكن بالحقيقة هم مختلفون قليلاً.[3]

خلال رحلات أبولو تم إحضار حوالي ثلث طن من تربة وصخور القمر للأرض، وعندما تم تحليل هذه الصخور تم التأكد بأن هناك تشابه كيميائي ملحوظ بين صخور الأرض والقمر وهذا يعني أن هناك ارتباطٌ تاريخي في تشكيلها، لذلك فأن نظرية التأثير العملاق تعتبر واحدة من أكثر النظريات المقبولة على النطاق الواسع، حيث تقترح النظرية أن القمر تكون بسبب حدوث اصْطِدام بين الأرض وكوكب آخر صغير قريب لحجم المريخ، والحطام الذي سببه الاصطدام تجمع في المدار حول الأرض مكونًا القمر [3].

لتكن ممتنًا للقمر:

هل تساءلت في ليلةٍ ما كيف ستكون الحياة على الأرض بدون القمر؟ اتضح ان ستكون هناك ثمة اختلافات ستحصل على الأرض لولا تواجده. يلعب القمر دورًا مهمًا في الطقس ودورات هجرة بعض أنواع الحيوانات، والمجال المغناطيسي للأرض، كما أنه هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل أيامنا الأرضية تتكون من أربعة وعشرون ساعة. [2]

ليس لديك عذر، يومك لم يعد قصيرًا:

تدور الأرض حول الشمس بينما تدور حول محورها، وكل دورة حول نفسها تمثل يومٍ على الأرض. والدوران يتأثر بجاذبية الأجسام الأخرى، فإن دوران الأرض حول محورها متأثر وبقوة بالقمر [2]. فإذا كنت تعتقد أن يومك قصير ولا تستطيع إنهاء مهامك اليومية بسبب قصره، فمن الأفضل لك أن تكن ممتنًا للقمر. وفقًا لأحدث الحسابات الرياضية، فأن اليوم على الأرض قبل مليار سنة أو أكثر كان أقل بخمسة ساعات وخمسة عشر دقيقة، في الحين الذي لم تنتشر فيه المهام المعقدة على الأرض بعد [1]. أيامنا على الأرض ازدادت طولاً عبر الزمن وكل الشكر يعود إلى تأثير جاذبية القمر على دوران الأرض حول نفسها.

خيال علمي مجددًا؟

إطلاق المهام للفضاء امر مُكلف جدًا ويعود السبب إلى جاذبية الأرض، ولحسن الحظ نحن لدينا قمر يملك 16.6% فقط من جاذبية الأرض، وهذا يعني أنهُ من السهل استخدامه لحل هذه المشكلة. يعتقد العلماء أن في المستقبل سنكون قادرين على بناء مركز لإطلاق المهام الفضائية من القمر بدلاً من الأرض وذلك لعدة أسباب من أهمها هو تواجد الثلوج هناك الذي عند تحولهم إلى ماءٍ سائل يمكن استخدامه في إنتاج الوقود بدلاًً من شحن الوقود من الأرض الذي يعتبر أمرٌ مكلفٌ جدًا. كما أن القمر يملك غلافٍ جوي رقيق جدًا، مما يجعله مكان مثالي لرصد النجوم، وذلك لأن الغلاف الجوي الأرضي يشتت بعض من الضوء الآتي من النجوم والمجرات البعيدة مما يجعله من الصعب علينا دراسة الكون [2].

سُعداء بالتعرف عليكِ أكثر، عزيزتنا الأرض

دراسة القمر أمر في غاية الأهمية حيث ساعدتنا على التعرف أكثر على كوكبنا الغالي، الأرض. رائد الفضاء ويليام أندرس الذي كان ضمن رحلة أبولو 8 وواحد من أول ثلاثة أشخاص يغادرون الأرض متوجهين للقمر دون الهبوط على سطحه [8]، يقول:

"لقد جئنا كل هذا الطريق لاستكشاف القمر، والشيء الأكثر أهمية هو أننا قد اكتشفنا الأرض"[9]

انتهى

كاتِبة المقال: بدور عبدالعزيز

(عضو آستروفايل).

المصادر:

< منشور قديم

منشور حديث >