السُبات في الفضاء: بين الحقيقة والخيال العلمي 🛌🏻✨

نعيش في عصر تتسابق فيه الوكالات لاستكشاف الفضاء، ومع تطور التقنيات الحديثة قد يصبح ماكُنّا نعتقد أنه خيال علمي قد يكون حقيقة علمية وأداة تساعد البشر في استكشاف الفضاء. في البعثات المأهولة طويلة الأمد مثل السفر إلى المريخ ومابعده تواجه وكالات الفضاء تحديات كبيرة فالإنسان غير متكيّف للسفر والعيش في الفضاء وتحت تأثير الجاذبية الصغرى، فقد يؤدي السفر الطويل الى إحداث تأثيرات جسيمة على صحة الطاقم، لذلك يتبع روّاد الفضاء نظام غذائي معين ويمارسون التمارين الرياضية بانتظام، ورغم ذلك يصعب توفير كمية هائلة من الغذاء خلال هذه المهمات الطويلة بالإضافة إلى خطورة تعرّض الطاقم بشكل مستمر للإشعاعات الشمسية الضارة.


لماذا السُبات؟


أحد الإعتبارات الرئيسية هو الوقت المستغرق للوصول إلى الوجهة. يعتبر المريخ الوجهة المفضلة لبرامج الفضاء المأهولة بعد القمر، يستغرق السفر إلى المريخ حوالي تسعة أشهر وفقآ لوكالة ناسا. ولحل هذه المشكلة أتت فكرة السبات الاصطناعي لرواد الفضاء، وهي نفس الحالة التي نراها في بعض الحيوانات في المواسم الباردة أو الجافة بسبب قلة توفّر الغذاء وتهدف عملية السبات إلى الحفاظ على الطاقة من خلال تقليل وظائف الجسم إلى الحد الأدنى فيتم خفض معدّل التنفس، معدّل ضربات القلب، درجة الحرارة والتمثيل الغذائي. هذه الفكرة من شأنها تغيير قواعد اللعبة : إن خفض معدّل التمثيل الغذائي للطاقم إلى 25% من الحالة الطبيعية من شأنه أن يقلل بشكل كبير من كمية الإمدادات وحجم المركبة الفضائية، مما يجعل استكشاف الفضاء على المدى الطويل أسهل. يستطيع الليمور القزم دهني الذيل السبات في مدة تصل إلى 8 أشهر في الموسم الجاف ورغم أن أجسامهم أصغر منا بكثير إلى أنهم يتشاركون معنا نسبة 97% من الجينات.


 

التجارب والمُلاحظات


يتم اختبار السبات الاصطناعي على فئران المختبر وهي أنواع لاتدخل بشكل طبيعي في عملية سبات وذلك من خلال تعريضهم لغاز يسمى كبريتيد الهيدروجين. تتحد جزيئات الغاز مع أنزيمات أساسية في الميتوكندريا وهي عضّيات خلوية مسؤولة عن إنتاج الطاقة داخل الخلايا فتقوم جزيئات كبريتيد الهيدروجين بمنع جزيئات الأكسجين من الارتباط وحدوث التفاعل وهذا يؤدي إلى تقليل إنتاج الطاقة وإحداث عملية السبات، ثم يقوم العلماء بسحب هذا الغاز فتعود فئران المختبر للوعي والحركة بدون آثار جانبية عصبية أو سلوكية.


في 7 أكتوبر 2006م، غادر ميتسوتاكا أوشيكوشي حفل شواء على جبل روكو في غرب اليابان، وقرر السير إلى أسفل الجبل الثلجي بدلاً من ركوب التلفريك مع أصدقائه. وضل طريقه، وانزلق، وكسر حوضه، ومع عدم وجود أحد لمساعدته، فقد وعيه في النهاية. وبعد أربعة وعشرين يومًا عثر متسلق عابر على أوشيكوشي. انخفضت درجة حرارة جسمه إلى 22 درجة مئوية ، وكان نبضه بالكاد يمكن تمييزه، وكان التمثيل الغذائي لديه في انخفاض كبير. ولكن على الرغم من فشل العديد من الأعضاء وفقدان كمية كبيرة من الدم، مع عدم وجود طعام أو ماء، فقد نجا بطريقة ما، تم إعلان أوشيكوشي كأول حالة موثّقة للسّبات البشري.

السُبات الاصطناعي


بحسب الدراسات العلمية، يمكن إحداث السبات بأكثر من طريقة، أحدها استنشاق غاز كيميائي، أو عن طريق خفض درجة حرارة الجسم، وكما في أفلام الخيال العلمي حيث ينام رواد الفضاء داخل كبائن تساعد في الحفاظ على درجة حرارتهم إلى الحد الأدنى (34 - 32 درجة مئوية) ثم يتم تخدير الطاقم لتثبيط ردة فعل الجسم أثناء انخفاض درجة الحرارة، هذه العملية تؤدي إلى انخفاض معدّل التمثيل الغذائي وتقلّل من استهلاك الطاقة، بينما تقوم الأذرعة الروبوتية بتفحّص العلامات الحيوية للطاقم أثناء سباتهم. خفض درجة الحرارة العلاجي هو علاج مجرّب في الرعاية الحرجة ومع ذلك، لم يتم تطبيقه في أغراض الرعاية غير الحرجة.


يختلف السبات في العالم الحقيقي عن رؤية هوليوود، حيث لن ينام الطاقم طوال الرحلة. أجرى فريق Spaceworks مقابلات مع العديد من الأطباء والخبراء، واتفق معظمهم على أن الدورات القصيرة والمتكررة من السبات تكون أكثر أمانًا من دورة واحدة طويلة المدى. أحد الأسباب كذلك هو أن يتم التناوب بأن يكون أحد أفراد الطاقم مستيقظًا، ويراقب أنظمة المركبة الفضائية ويستجيب لحالات الطوارئ.


إن السبات في بعثة مأهولة إلى المريخ لن يمنع الملل في كبسولة فضائية صغيرة فحسب؛ بل سيوفر تكلفة المهمة، حيث لن يحتاج أفراد الطاقم وهم في حالة سبات إلى تناول الطعام أو الشراب، وسيحتاجون إلى نسبة أكسجين أقل بكثير من أولئك المستيقظين وسيكون الطاقم لائقين ومستعدين لبدء الاستكشاف على الفور بعد استعادة الوعي.


Share by: